المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ديوان عبدالكريم العياش


الصفحات : [1] 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29

ياسر عبدالرحمن الخالدي
15-12-2008, 10:01 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

انقل لكم مقابلة اجراها الصحفي مريح المريح الشمري جزاه الله خير مع شاعرنا الاسطورة...



شاعر "آه واويلاه من عمٍ ظلوم".. كتب في أمه أكثر من 1230 بيتا ولم يتوقف!


مدينة الشعر عبد الكريم العياش الزيد العلي الخالدي:

"يتيمة" نقلتني من سائق شاحنة إلى موظف كبير - - 11/09/1428هـ



إذا سألك أحد عن مدن شمال المملكة فقل حائل وتبوك والجوف وعبدالكريم العياش الخالدي، ذلك أن الثلاثة الأول مدن سكانية والرابعة مدينة من الشعر، شاعر أنصفته قصيدة واحدة فرضت نفسها على الوسط الفني والشعبي معاً وأطلق عليه وقتها "شاعر الفتاة اليتيمة"، لكن درراً كثيرة من قصائده ظلت حبيسة الظلام، فالإعلام لم يبحث عنها، ولم يكتب لها أن يحتضنها دفء ديوان شعري، فآثرت هي وشاعرها البقاء في " شنطة" صغيرة سوداء كان لونها انعكاساً لما في داخلها. "شنطة" يسميها الشماليون القدامى "دبلوماسية"، يكسوها الغبار في مستودع الشاعر العياش.


"بالمحكي" نفضت الغبار وغاصت داخل "الشنطة الدبلوماسية" والتي وجدنا فيها من الأبيات المذهبة والقصائد المرجانية الكثير.

مريح المريح من الجوف

:: :: :: :: ::

البداية.. الفتاة اليتيمة :

يؤكد عبدالكريم العياش أن بداية ظهوره للجمهور كانت عبر قصيدته الشهيرة " الفتاة اليتيمة"، التي قال فيها:



آه وا ويـلاه مـن عـمٍ ظلـوم=بعد ما أبويه رقد تحت التـراب
القمر لاغـاب ماتفيـد النجـوم=واعسى الدنيا عقب موته خراب
كيف أبهجع واهتني وارقد وانوم=وامسح دموعٍ مثل رش السحاب
بعد ما حكمي على الأسرة عموم=صرت أنا بعيونهم مثل الذبـاب
أرتدي للمدرسة أردى الهـدوم=وبنت عمي ترتدي أغلى الثياب
وان طلبته دفترٍ لي بـه لـزوم=صد عني دون يعطيني جـواب
طال همي واكتئابـي والوجـوم=آه يادنيـا التعاسـة والعـذاب
مرحبا يا قبر فيـك أبٍ رحـوم=واعسى يجزاه ربـي بالثـواب
ليت من قبره ولو ساعة يقـوم=يشهد اللي صارلي بعز الشباب
الدقيقـة كنهـا تسعيـن يــوم=ليتني أرقد معه تحـت التـراب

يقول العياش إن هذه القصيدة لاقت رواجاً وانتشاراً واسعاً في الجزيرة العربية والخليج ودول بلاد الشام والعراق ولبنان لكنني لم أنصف مع كل هذه الشهرة العظيمة للنص، حيث غنى النص أكثر من عشرة فنانين لم يذكروا على الكاسيت اسم الشاعر واكتفى بعضهم بكتابة "فولكور قديم"ولديّ الآن أكثر من خمس نسخ أصلية لفنانين عراقين وسعوديين وفنانة سورية لم يذكروا اسمي كشاعر للنص، بينما ذكروا شعراء القصائد الأخرى، لكنني لم أبحث عنهم أو أفكر في رفع دعوى ضدهم وكنت أتمنى من الفنانين السؤال عن صاحب القصيدة فحتماً سيجدونني بسهولة لأن أول من قام بغناء القصيدة هو الفنان "حميان خليفة" وكان من الأولى استئذانه في اللحن واستئذاني في الكلمات، وربما لعدم توافر وسائل الاتصال بشكل كبير كما هو الآن أدى لحجب التواصل بيننا، لكن أكثر الفنانين المستفيدين من قصيدة "الفتاة اليتيمة" هو الفنان بدر الغريب الذي حققت معه القصيدة انتشاراً أكبر و روَّجت لاسمه كثيراً، خاصةً في الكويت ودول الخليج والمنطقة الشرقية، وكانت قصة هذه القصيدة حقيقية حيث إن الفتاة اليتيمة كانت تدرس مع إحدى أخواتي وكانت تحكي لها كل مأساتها بعد أن توفي والدها وتولى عمّها تربيتها و لم يكن يعاملها مثل بناته فطلبت الفتاة من أختي أن أكتب على لسانها قصيدة لوقائع حصلت معها فعلياً وقد لبيت رغبتها في هذه القصيدة.


:: :: :: :: ::


شــــــــاعر الأم :

عدت بعدها أفتش في قاع "الشنطة الدبلوماسية" عن الدرر المكنونة واكتشفت أن هناك قصائد كثيرة كتبها العياش في والدته، استأذنته بأن أوقف التسجيل وأعود للتنقيب في الشنطة لأقوم بتعداد قصائده في والدته، فانتهى بي العدد عند الرقم 82 قصيدة و1230 بيتا، أنه حقاً رقم مذهل أجزم بأنه لم يسبقه عليه أحد، وأنه جدير بدخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية وتسجيل هذا الرقم إنصافاً للشعر في بر الوالدين، من بين ال82 قصيدة هناك أكثر من ثلاثين قصيدة مرثية بعد وفاة والدته لكن العياش يقول: كلها لم تشف غليل فراقي لوالدتي فكلما كتبت مرثية لا أجد فيها ما يمكن أن يوازي ألم فراق سيدة البيت لذلك أعترف بكتابتها ولا اعترف بقوتها رغم أنها من روائع شعر الرثاء من وجهة نظري، وبعد أن قرأت على عجل الكثير من قصائده في أمه قلت له (اسمح لي يابو أحمد، اللي أطلق عليك لقب شاعر الفتاة اليتيمة غلطان، كان من المفترض أن يطلق عليك لقب "شاعر الأم)، حقيقة أن هذه العبارة هزت جسد شاعرنا فطلب مني أن يكون كذلك " شاعر الأم" حيث يقول إن هذا أجمل وأروع لقب ولي شرف كبير في أن ألقب بشاعر الأم، وهو بصدق يستحق أن يكون وأن يبقى شاعر الأم نظراً لعدد الأبيات التي كتبها في أمه ولما في هذه الأبيات من حس صادق وموجع، ورغم بره الكبير بوالدته التي ظل مجاوراً لها لا يفارقها إلا في ساعات العمل الرسمي إلا أنه يشعر بالندم تجاه تقصيره فيها بل ويصر على مناشدة الجميع عبر هذا الزيارة بقوله "بروا بأمهاتكم قبل أن تندموا" ويرى أن العقوق كثر في هذا الزمن، ومن روائعه في أمه حينما كانت مريضة وقبل أن يتوافها الأجل المحتوم قال العياش:





وش تطلبين آمـري هـذاي قدامـك=أمرك علي فرض لا واجب و لا سنه
ليتك تدوسين صدري بأخمص أقدامك=حتى إني أشوف تحت أقدامك الجنـة
ياليتهـا فينـي أوجاعـك وآلامــك=من صدرك ل صدري الضيقات والونة
ويشفيك رب المـلا ويمـد بأعوامـك=عسى عيونـك ولـد أحمـد يشوفنـه
بس آمـري وكلنـا بالبيـت خدامـك=خدمتك تشريـف لا مـدحٍ ولا منـه
من شان ضحكك يعود وتضحك أيامك=البيت من دون ضحكك مقبـرة كنـه




:: :: :: :: ::



من الشاحنة إلى الوظيفة :

لعل أغرب ما ذكره العياش لنا هو أنه في بداية شبابه كان يعمل سائقاً لشاحنة يملكها رغم أنه كان يحمل شهادة الدبلوم، لكن الوظيفة لم تكن وقتها في متناول اليد لقلة الأجهزة الحكومية في مدينة سكاكا - مسقط رأسه ـ كان يسري ليلاً وينام نهاراً وأحياناً يصل بشاحنته إلى بوابة الميناء لشحن البضائع فيجد الباب مغلقاً في وجهه لعدم حيازته على "رخصة عمومي" فكتب ذات يوم قصيدة يقول في مطلعها :



لا يا زمان الجور وشي خطاياي=أزرعبك ورود الوفا واجني الشوك
كلح الذيابة ما سرت مثل مسراي=ونهاية دروبي على الباب مصكوك
يا خوي يابو سعد قلي وش الراي=وين الطريق اللي يوصلني أرجوك


وعندما أعلنت وزارة البرق والبريد والهاتف عن بداية تأسيس الهواتف الثابتة ذهب إلى إدارة الهاتف ليقدم طلب باسمه وأخوانه للحصول على خط هاتف، وبعد أن قرأ رئيس قسم المشتركين الذي جاء منتدباً من منطقة حائل اسم العياش, سأله هل أنت شاعر الفتاة اليتيمة وبعد تحققه من ذلك أجلسه بجواره حتى انتهى العمل وظل متمسكاً به طالباً منه أن يلقي عليه بعض قصائده وعندما عرف المسؤول أن العياش يحمل مؤهلاً دراسياً أصر على أن يجعل من سائق الشاحنة موظفاً في قسم المشتركين حباً في شاعريته وفي قصيدة الفتاة اليتيمة، وبذلك ودع قيادة الشاحنة وبقي في وظيفته هذه إلى أن تقاعد قبل أربع سنوات من الآن.


:: :: :: :: ::


25 شــــــــاعراً :

يؤكد العياش أن ولادته في بيئة تعشق الشعر ساهم في اكتمال نضج قصائده مبكراًُ فأمه ووالده وإخوانه كلهم شعراء ، معتبراً 60 في المائة من أهالي منطقة الجوف والشمال عامة يكتبون الشعر واسترجع لنا من شريط ذكرياته وجود 25 طالبا شاعرا في فصله الدراسي في المعهد العلمي حيث يروي لنا أنه في الحصص المملة يقوم الطالب الأول بكتابة بيت شعر ثم يمرره للطالب الذي يجلس خلفه ليقوم بإضافة بيت على نفس الوزن والقافية ثم يمرره لمن هو بعده وهكذا حتى الطالب الأخير فما إن تنتهي الحصة "المملة" إلا ويكون فصل الشعراء قد خرج بقصيدة مشتركة مكونة من 25 بيتا كتبها 25 شاعرا!


:: :: :: :: ::


شاعر اجتماعي:

يقول العياش إن أكبر مكاسبه في الشعر هو مشاركته للمجتمع في قضايا عامة وأخرى فردية وإعادته للجمع بين طليقة وطليقها وأيضاً إعادة أطفال إلى أمهم بعد رفض زوجها زيارتهم لها أكثر من أربع سنوات بعد أن طلقها واقترن بغيرها حيث إن الطلبات توالت عليه بعد نجاح تجربة الفتاة اليتيمة فتبنى على لسان الآخرين كتابة همومهم على شكل قصائد مؤثرة تكون في الغالب مفتاحا لكثير من الحلول وأحياناً تكون هي الحل نفسه معتبراً أن هذه المشاركة الوجدانية لأفراد مجتمعه أكبر نجاح وأكبر مكسب حققه من خلال مسيرته في كتابة الشعر.


:: :: :: :: ::


الأربعين والخط البياني :

بعد أن أطفأ العياش شمعته الأربعين.. كتب قصيدة يرى فيها أن الأربعين هي رأس الرسم البياني لعمر الإنسان وأن عليه الهبوط تدريجياً إلى نقط الصفر من جديد فقال :







بدا ينزل بي الخـط البيانـي=من الأعلى شديـد الانحـدار
سنين العمر تحسب بالثوانـي=ثلاث أرباعها حزن ومـرار
بسن الأربعين أنس ان ثانـي=أعيش آخر جنوني والوقـار
من الدنيا عرفت أقسى المعاني=بعد آخـر محطـة للقطـار
أبد ما فيه شخص إلا يعانـي=ولو هو يبتسـم ليـل ونهـار
لأن الكون واللي فيـه فانـي=ولا يبقى هزيمـة وانتصـار
هي الدنيـا معانـاة وأمانـي=فرح و أحزان مع بردٍ ونـار



:: :: :: :: ::


ثقافة الجوف تــئـن:

يؤكد العياش أن منطقة الجوف التي ولد وترعرع فيها تزخر بالكثير من المثقفين والأدباء ورجال العلم من الجنسين وهي أرض خصبة للشعر والفن لكن النهضة في هذا الجانب شبه معدومة ولولا وجود مؤسسة الأمير عبدالرحمن السديري الخيرية ممثلة في دار الجوف للعلوم لكان الوضع أسوأ مما هو عليه الآن فكل مثقف في الجوف مدين لتلك المؤسسة التي فتحت أبوابها وأثرت الساحة وحافظت على توازن الثقافة في الجوف، واليوم باسم مثقفي وشعراء وفناني الجوف بكافة انتماءاتهم ونوع فنونهم نطالب وزارة الثقافة والإعلام بافتتاح جمعية للثقافة والفنون في منطقة الجوف التي هي أرض خصبة لذلك كونها ملتقى للثقافات منذ وجودها نظراً لموقعها الجغرافي الذي يتوسط بلاد الشام وبلاد الرافدين ونجد.
وعن وجود النادي الأدبي ودوره في المنطقة بيّن العياش أنه لا يعلم عن هذا النادي سوى أنه افتتح في الجوف قبل أربع سنوات ولا يعلم عن أنشطته شيء فلو كانت له أنشطة لكنا قد سمعنا أو قرأنا عنها، ويبقى طموحنا أكبر من العمل الذي يقدمه النادي حتى الآن.


الشمس في غير مطرحها :

نختتم قراءتنا وغوصنا في "شنطة" الشاعر إلى هذا القدر، لكن العجيب في الأمر أن القصائد المتناثرة المكتوبة بخط اليد لم تجد حتى الآن من يلم شتاتها في ديوان شعري موحد يحمل اسم الشاعر، فالشاعر ليس لديه أي معارضة في أن تتبنى إحدى دور النشر طباعتها.


ضميـري الحـي يقتلنـي ويحيينـي=والنفس ما اقدر على ما صار أسامحها
تعبان لـو كـل خلـق الله تواسينـي=جروحي أكبر من أني اقدر اشرحهـا
هذي همومٍ تـروح، وهـذي تجينـي=ومشاعري صار أبسط شي يجرحهـا
ما فيه أحدٍ فهـم ويـش الـذي فينـي=ما غير نفسي تصارحني وأصارحهـا
الصـدمـة القاسـيـة أول تقويـنـي=واليوم أشوف الشمس في غير مطرحها
أبسط سبب صـار يحزنّـي ويبكينـي=واعز بشـرى لعينـي مـا تفرحهـا
توي عرفت أنك أغلى من نظر عينـي=وغيابـك يغيـر الدنيـا ومسرحـهـا
ما فيه بالكون شخصٍ عنـك يغنينـي=التجربـة قاسيـه والحـب نجحـهـا