في العصور المتقدّمة للإسلام ومع انتشاره بفضل الله تعالى وقبول الناس كافة لدين محمد عليه الصلاة والسلام دين الحق .
كان المسلمون يتعايشون مع غيرهم من أهل الكتاب والوثنيين كذلك بكل تسامح وإنسانية وأخلاقاً محمدّية فاضلة .
تحدث بين المناظرات والجدآلات العلمية العقلية والنقليّة . لذا وجب التصدي لكثير من الشبه التي تطرح على المسلمين .
منها مسألة ألوهية عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام , وقد استشهد بعض القُسس على المسلمين بكون عيسى جزء من
اللاهوت بقول الله تعالى ( وكلمته ألقاها إلى مريم ) فقالوا أن عيسى كلمة الله وكلام الله من صفات الله تعالى الذاتية , فإذن
عيسى كالقرآن من الله ومتصل باللآهوت . ففنّد قولهم علماء المسلمين بكون الكلمة هي أمر الله تعالى بكينونة عيسى بن
مريم عليه السلام والقرأن الكريم الذي بين أيدينا بحروفه وكلماته وصحائفه , إنما هو مخلوق . أما صفّة الكلام لله سبحانه
وتعالى فهي صفّةٌ أزلية يتكلم الله متى شاء وكيف شاء كلاماً يليق بجلاله سبحانه وتعالى . ( وهذا رأي الإمام أبا حنيفة ) وهو
الصّواب . ثم ما لبث أن ظهر الخلاف وهو مسألة خلق القرآن وتعنّت المتخالفين وكل ذلك بسبب سوء ظن طرفٍ بآخر .
كان الطرف الذي يقول بمسألة خلق القرآن على الشكل الذي ذكرناه المعتزلة , وورثهم بكثيرٍ من أقولهم أهل السّنة
والجماعة ( الأشآعرة ) ولكن بعض أهل الحديث خالفوهم وأخرجوا كثيراً منهم من دائرة الإسلام ولا حول ولا قوّة إلا بالله
العلي العظيم . علماً بأنَّ الأشاعرة هم الذين سخّر الله لهم ومكّنهم من فتح بيت المقدس الشريف وعلى رأسهم صلاح
الدين الأيوبي رحمه الله تعالى . وهذا من نصر الله تعالى وتمكينه للصالحين . تفرعت الخلافات بعد ذلك بسبب بعض من
شذّو عن السّواد الأعظم من المسلمين كإبن تيميه رحمه الله ومن نهج نهجه من السابقين . فما كان من المتأخر إلا الأخذ
بحرفيّة القرأن الكريم والسّنة النبوية , علماً بأن القرأن الكريم والسنة النبوية بلغة عربيّة فصيحة تخضع لفنون البلاغة
والمجاز والمثل وما إلى ذلك من فنون اللغة . ومن أخذ بحرفية النّص وتنطّع بذلك , أرهق النص وحمّله مالا يحتمل ووقع
وأوقع المسلمين في حرجٍ كبير .
مثال على ذلك : روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسألة نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من
الليل كما جاء في الحديث الشريف ( ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول:
من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى ينفجر الفجر )
الحرفيون أخذوا النّص على ظاهره وأقروا بالنزول حقيقةً ولا تجد من يتحدث عن النزول إلا ويُتبع النص بقوله الشخصي (
والنزول نزولاً حقيقياً كما يليق بجلال الله تعالى أما الكيف فمجهول ) وهذا من التكلّف , أما المعتزلة والأشاعرة وغيرهم
فقد نفوا النزول من باب تنزيه الله تعالى عمّأ لا يليق به ولهم في ذلك أقوال لا يتسع المجال لذكرها , وقد كان ذلك منهم قبل
تطور العلم ومعرفة حال الليل والنهار , أما اليوم وقد عُلم أن ثلث الليل هو وقتٌ لا ينقطع عن الأرض إطلاقاً فمن بلدٍ
إلى بلد , فمن الواجب تأويل النص كما ذهب المعتزلة في القرون المتقدمة , ومعنى النص أن العبد يكون إلى الله أقرب في
هذا الوقت وذلك لعدّة أمور منها , سكون الليل والهدوء التام وخشوع النفس وقربها من خالقها , وفزع العبد من لذيذ
المنام طلباً لرضا خالقه سبحانه وتعالى , وأجزم تمام الجزم أن الصحابة الأخيار رضوان الله عليهم قد فهموا هذا المعنى على
الطريق المجازي فهم أهل اللغة وأعلم بفنونها , المهم مما ذكرته سابقاً .
إن الفرق الإسلامية لم يكونوا على حق مطلق ولا باطل مطلق , ولكن بسبب عدم حسن الظن في المخالف إنشق صف
المسلمين وتمزّق الإسلام على أهله . وإلا فالأصل إحسان الظّن بالمقابل مهما كان قوله , فرسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول ( لا يغالب أحداً هذا الدين إلا غلبه ) فلماذا التسلّط والتفرّد بالحق !؟ كما لو كان الدين تركةً لفئة دون أختها .
وبعد ما يقارب ثلاثة عشرَ قرنا تبيّن أن المعتزلة والأشاعرة كانوا على الحق في قولهم الذي كفَّر بعضهم بسببه .
اختلاف الأمة رحمة فلماذا لا يسعكم الخلاف وإحسان الظّن بالمقابل .
كيبورديّة لابد منها
ماجد الزيد
::!::