تأملات في معلقة امرؤ القيس :
قبل حوالي 70 سنة من مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولد امرؤ القيس ، سليل المجد من كنده ، تلك القبيلة التي
كان لها حضارة في وسط شبه الجزيرة العربية .
تعتبر المعلقة هي السيرة الذاتية وهي رؤية الشاعر لعلاقته بالعالم المحيط ، إذاً فهي سجل تأريخي
سطر فيه الشاعر كل ما له علاقة بشخصيته . ولو حاولنا الإستفادة من معلقته لمعرفة الوضع الإجتماعي
السائد في تلك البقعة من العالم رأينا مايلي:
1- أن الناس كانوا يؤمنون بالله ، لذلك نراه يقسم بالله:
فَقَالَتْ : يَمِيْنَ اللهِ مَـا لَـكَ حِيْلَـةٌ ....وَمَا إِنْ أَرَى عَنْكَ الغَوَايَـةَ تَنْجَلِـي
فأغلبهم على ملة الحنيفية ، وقليل على الديانة المسيحية ، وقليل على الديانة اليهودية.
لكن عبادة الأصنام جلبت مع تجارة قريش للشام التي كانت تعتبر آنذاك من الديار الإفرنجيه ، فبدأ الناس يعبدونها لعلها تقربهم الى الله .
2- ان الناس كانوا منصهرين مع بعضهم فكل يعبد ما يشاء
3- أن الحياة المعيشية كانت جيدة ، طبقا لمعاييرهم آنذاك
4- ومثل أي زمان نرى الغزل البرئ بين الشبان والشابات ونرى الفساد الأخلاقي ايضا
5- من الواضح أن حياتهم حياة بدائية ، ويبدو أنهم مقتنعين بها ، فالقربه وسيلة جلب الماء والجمل ، والحصان الذي هو أغلى الممتلكات ، للمواصلات ..
6- كان الفرد يتجول في هذه الصحراء ويمر بأماكن عديدة فمن عنيزة في الوسط الى تيماء في الشمال الغربي ،
مما يدل على شعوره بالأمان ، فلو كانت فوضى كما تحدثنا بعض الكتب ، لوجدنا الشاعر لايتحدث إلا عن
نطاق جغرافي ضيق.
7- أن الجزيرة العربية كانت غنيت بالمراعي التي تتقاطر عليها الحيوانات البرية مثل الغزلان بأنواعها ،
وقد يفسر هذا عدم ذكر أي شئ عن المزارع ، فالناس تجد حاجتها من القوت دون عناء . إذاً فقد كانت منطقة رعي غنية ، اعتمد غالبية سكانها على مهنة الرعي وما لم يجدوه بالرعي يجدوه بالصيد ..
نعود الى الناحية الدينية قليلا ، فقد استغل بعض من يحاول الطعن في اصل الدين الإسلامي من المستشرقين والمسيحين في العصر الحديث ما قيل أنه من شعر امرؤ القيس وهو ليس كذلك ، من أبيات تدل على أن من قالها
اخذ آيات من القرآن الكريم ونظم منها شعراً ، واعتمدوا في ذلك على ما جاء بكتاب (فيض القدير شرح الجامع الصغير ) للامام عبد الرؤوف المناوى , حرف الهمزة ، ويمكن الإطلاع عليه من خلال هذا الرابط:
http://www.al-eman.com/Islamlib/view...BID=139&CID=88
يقول المناوي ، ما نصه :
"وقد تكلم امرؤ القيس بالقرآن قبل أن ينزل. فقال:
يتمنى المرء في الصيف الشتاء * حتى إذا جاء الشتاء أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد * قتل الإنسان ما أكفره
وقال:
اقتربت الساعة وانشق القمر * من غزال صاد قلبي ونفر
وقال:
إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها
تقوم الأنام على رسلها * ليوم الحساب ترى حالها
يحاسبها ملك عادل * فإما عليها وإما لها "
وتكملة الأبيات :
دنت الساعةُ وانشقَّ القمر عن غزالٍ صاد قلبي ونفر
أحور قد حرتُ في أوصافه ناعس الطرف بعينيه حَوَر
مرَّ يوم العيــد في زيـنته فرماني فتعاطى فعقر
بسهامٍ من لِحاظٍ فاتــكِ فتَرَكْني كهشيمِ المُحتظِر
وإذا ما غــاب عني ساعةً كانت الساعةُ أدهى وأمرّ
كُتب الحسنُ على وجنته بسَحيق المِسْك سطراً مُختصَر
عادةُ الأقمارِ تسري في الدجى فرأيتُ الليلَ يسري بالقمر
بالضحى والليلِ من طُرَّته فَرْقه ذا النور كم شيء زَهَر
قلتُ إذ شقَّ العِذارُ خدَّه دنت الساعةُ وانشقَّ القمر
وايضا نسب له :
أقبل والعشاقُ من خلفه كأنهم من كل حدبٍ يَنْسلون
وجاء يوم العيد في زينته لمثل ذا فليعملِ العاملون
ولا اعتقد أن المناوي قال هذا ، فربما حدث تحريف فيما كتب ،
فالمتمعن في الأبيات ، يجدها تختلف في سبكها عن ما اعتدنا عليه
من شعر لأمرء القيس ، صاحب المعلقة ، بل ولم ترد في ديوانه ،
وربما يكون هذا الشعر من نتاج عصور الإنحدار ، حين كثرة القيان وانتشرت الرذيلة ،
وما يثبت أن تلك الأبيات ليست لأمرؤ القيس صاحب المعلقة ، وأنها لأحد الماجنين من شعراء الدولة العباسية أو
شعراء الأندلس ، ورود كلمة العيد :
مرَّ يوم العيــد في زيـنته فرماني فتعاطى فعقر
فيوم العيد في الإسلام ، وليس في الجاهلية ، لكن احقاد المسيحين ومن لف في فلكهم ، تأبى إلا أن تكشف ذيلها
المتساوي مع وجهها القبيح .
يتبع ..