عرض مشاركة واحدة
قديم 23-06-2010, 09:18 PM   رقم المشاركة : 30
سامي احمد الفيفي
شاعر
 الصورة الرمزية سامي احمد الفيفي





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  الحالة :سامي احمد الفيفي غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: سؤال يغوص في الأساليب الشعرية


النص لوحة فسيفسائية من الاقتباسات..-جوليا كريستيفا-

وقد أسمى رولان بارت النص الغائب (النصوص المتشبَّع بها): (تضمينات من غير تنصيص)..

والعرب قديما عرفوا معنى النص الغائب لكنهم سموه بأسماء أخرى، أو أنهم لم يهتموا بجعله مصطلحا واضحا..فقد كانوا يطلبون من المبدع في مرحلة التلقي أن (يتشبع) بإبداعات السابقين ثم يطلبوا منه (نسيانها)..

لماذا كل هذا؟ إنهم "يدركون" معنى النص الغائب لكنهم لم "يجسدوه"..

فالشاعر -ذكرا كان أو أنثى- يمر في تجربته الشعرية بمراحل ثلاث:


1- مرحلة التلقي

2- مرحلة التشبع

3- مرحلة الإبداع

المرحلة الأولى: يستطيع أن يقيم الوزن لكن قد يكتب عشر قصائد لا تجد فيها بيتا واحدا يشد انتباهك..وهذه المرحلة يطلب من الشاعر فيها أن يقرأ كثيرا أو يسمع من الشعراء المبدعين..فهو ليس مطالَبا بقول الشعر بقدر ما يطالَب بالاهتمام به وبناء نفسه فيه..

وفي الحقيقة فهذه المرحلة أهم من مرحلة الإبداع لأنها الأساس فبدونها لن يحدث شيء..ولذلك أَولى العرب منذ زمن بعيد عناية خاصة بها..

يحكى عن خالد بن عبد الله القسري أنه قال: حفَّظني أبي ألف خطبة، ثم قال لي: تناسَها.. فتناسيتها، فلم أرد بعد ذلك شيئا من الكلام إلا سهل عليَّ..

وظهر عند ابن خلدون مصطلح (نسيان المحفوظ) فهو عند حديثه عن صناعة الشعر يطلب حفظ المنتخب للفحول القدامى ثم نسيانه لتتكون الملكة الجيدة..

المرحلة الثانية: يكون الشاعر قادرا على كتابة ما يلفت النظر إليه لكن تظهر عنده مشكلة لا يدركها غير المطَّلعين على المشهد الشعري..هذه المشكلة هي تقمصه شخصيات شعراء آخرين فعندما تسمع قصيدته تذكرك بأسلوب شاعر معروف أو قصيدة معروفة..


السواد الأعظم من الشعراء توقفوا عند هذه المرحلة -مرحلة التشبع- وهم يعتقدون أنهم تجاوزوها..ألا ترى أخي القارئ أنك تطَّلع على عشر قصائد لشاعرٍ ما وتعجَب به ثم تنسى أمره بأسرع أمر يشغلك بينما تقرأ قصيدة واحدة لغيره وتندهش بأبيات فيها وتحاول مثلا أن ترسلها إلى أحد أصدقائك أو تحفظها عندك أو تنشط لكتابة قصيدة..الخ

لماذا؟

لأنك وقعتَ على قصيدة شاعر أبدع وأتى بشيء لم يعتد عقلك الباطن على سماع مثله من قبل..


في هذه المرحلة تكمن مشكلة بعض الشاعرات -مع أن بعض مجافية للحقيقة!- حيث إنها -الشاعرة- تكون متشبعة بأساليب الشعراء الذكور؛ نظرا لأن الرموز منهم والمجتمع ذكوري في أصله..فتجد قصيدتها خالية من الأنوثة، وكأنها حين تكتب تتقمص شخصية شاعر وهمي في ذاتها يلقي قصيدته على مجموعة من الرجال..

أقول إن السبب في ذكورية أساليب الشاعرات ما يلي:

1- التشبع بأساليب الشعراء الذكور؛ نظرا لهيمنتهم على المشهد الشعري..

2- خوف المرأة من إظهار خصوصيتها في النص..خوفها من لوم المجتمع، أو عدم تقبل بوحها..

3- جهلها بذكورية أسلوبها، وعدم انتباهها إلى هذه النقطة..


حين نرجع إلى التاريخ الشعري النسوي فإن الخنساء هي أهم علم بارز في المشهد..ما الذي نحفظه لها غير بكائياتها على صخر؟ تلك البكائيات التي تقطر ألما وفقدا جعلنا نقتنع أن النصوص لأنثى مجروحة..


وهذه أمثلة لنصوص بديعة لشاعرات تدل قصائدهن على أنهن تجاوزن مرحلة التشبع إلى مرحلة الإبداع..


العيد باكر أسعـد الله ممسـاك = والله مدري ويـن خـدٍ جلستـه

وين انت ياللي عيدنا في محياك = كف القدر من ضيقة الخلق بسته

من يوم ما لوحت لي كف يمناك = لليوم دمعي بالخفا مـا حبستـه

ومن يوم ماذوقتني حر فرقـاك = والياس زرعه في حياتي غرسته

شريت لي ثوبٍ علي شان لقياك = والثوب راحت موضته مالبسته

وشريت عطرٍ ما زهاني بليـاك = أربع سنيـن بعلبتـه مالمستـه

ودفتر قصيدٍ كل يـوم يترجـاك = مافيه يومٍ ماسهـرت ودرستـه

فعابرة سبيل هنا تذكر موضة الثياب وعلبة العطورات ولفظة (بسته) للأمانة لم أسمعها من شاعر رجل..ولو سمعتها لكانت نشازا لكنها هنا كانت انسيابية رقيقة..


ليته يناديني وانا بس اناديه = واجاوبه ياحسين لو كان مره

عليه قلبي يابسات عراويه = اقفا ابقلبي من ضلوعي يجره

ذالي ليال قاعده في حراويه = لين انها زادت عليَّ المضره

قمت اتوجد وجد من مات غاليه = قبره قباله كل يوم يمره

أو وجد من خلوه والليل ممسيه = ينخا ولا حد من هل الهجن مره

خلي طريح والضواري تحاضيه = بالمقطعه وامقابله ضلع حره

على الذي ماشفت حي يحاليه = شيخ على القوم المعادين شره

فبخوت المري هنا تصرح باسم المتمنَّى "حسين" وتذكر أن خلها مطروح بالمقطعة (لن يذكر رجل أن حبيبته مطروحة في مقطعة!) ثم تذكر أنه شيخ شجاع..كل هذا يدل على أن القائل أنثى..


ودي أزور القمـر والا يـزاورنـي = يابعد سطحه علي لو شاقني نـوره

بعض الاماني تجينـي ماتشاورنـي = وأرووح معها والفّ الكون في دوره

لامن تحاشيتهـا جتنـي تدورنـي = واستوطنتني وأنا مانيـب مجبـوره

لاهب ذاري الهوا شعفه يْعورنـي = وأسايره واتذرّى غصـب مقهـوره

ودّه يْطفّـي شْموعـي لاتنورنـي = ويقطع جْذور القصيد ويحرق زْهوره

وشعري حْروفه لجمهوري تْصورني = وكلٍ حْروفه تْعَكسه عند جمهـوره

أصون حرفي وحرفي مايدهورنـي = ماجا المناقيد مهما غنّـت طْيـوره

والموج لامن هدر صوته يْفورنـي = ما أخبل غشيمٍ تهقْوا يردع بْحـوره

ياليت سطح القمر حولي مجاورني = واطلع على قمته وأعيش مسروره

وليت الأماني على الواقع تحاورني = وأشرح لها حالتي واوضّح الصوره

ف"شاعرة نجد" -وهي صاحبة القصيدة/السؤال- كان أسلوبها هنا أنثويا خالصا سواء في بعض القوافي (مجبورة - مقهورة - مسرورة) إضافة إلى بعض المفردات في البيت الرابع، والأبيات في عمومها تحوي أمنيات رقيقة جدا تدور على الرغبة في اعتزال الجميع والصعود إلى القمر..عادة أماني الشعراء الرجال أن تدور حول تصحيح المجتمع والتذمر من واقعه وليس الهروب منه..(في الغالب وليس حكما قاطعا)..



في نهاية الموضوع أود أن أشير إلى أن خصوصية الأسلوب من مقاييس صدق العاطفة..فلو كانت قصائد أحد الخليجيين الذين لا علاقة لهم بالمغرب العربي مثلا قائمة على اللهجة الجزائرية أو المغربية فإنه لن يستطيع أبدا أن يثير بعاطفته الصادقة دهشة المتلقي...إن (الأسلوب هو الشخص) كما عرفه سانديرس..







توقيع سامي احمد الفيفي
 في خاطري ألف شكوى من يشكويني
والفيـن شرهـه على الليـل وطـواريِّـه
  رد مع اقتباس